سورة الشعراء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} والمعنى أنا أنزلنا القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على أن البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به وسموه شعراً تارة وسحراً أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة والسلام، ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلاً أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا معجزاً لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذراً ولسموه سحراً.
ثم قال: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله {ما كانوا به مؤمنين} {فِى قُلُوبِ المجرمين} الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام: 7] وهو حجتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها. وموقع قوله {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالقرآن من قوله {سلكناه في قلوب المجرمين} موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذباً مجحوداً في قلوبهم، فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالاً أي سلكناه فيها غير مؤمن به {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم.


{فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه {فَيَقُولُواْ} وفيأتيهم معطوفان على {يروا} {هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} يسألون النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] ونحو ذلك.
{أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ} قيل: هي سنو مدة الدنيا {ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب {مَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} به في تلك السنين. والمعنى أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون} أشراً وبطراً واستهزاء واتكالاً على الأمل الطويل، ثم قال: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم؟. قال يحيى ابن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته والتذ بمراداته وسكن إلى مألوفاته والله تعالى يقول: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}، وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال: عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية. فقال ميمون: قد وعظت فأبلغت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رسل ينذرونهم. ولم تدخل الواو على الجملة بعد إلا كما في: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} [الحجر: 4] لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة ل {قرية} وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف.


{ذِكْرِى} منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل: مذكرون تذكرة. أو حال من الضمير في {مُنذِرُونَ} أي بنذرونهم ذوي تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية، أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى، أو تكون ذكرى متعلقة ب {أهلكنا} مفعولاً له، والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم {وَمَا كُنَّا ظالمين} فنهلك قوماً غير ظالمين.
ولما قال المشركون: إن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} أي القرآن {الشياطين وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه.
{إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} لممنوعون بالشهب {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} مورد النهي لغيره على التعريض والتحريك له زيادة الإخلاص {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً وأن النجاة في اتباعه دون قربة. ولما نزلت صعد الصفا ونادى الأقرب فالأقرب وقال: «يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئاً».

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12